يوميات رمضانية للأسرى فى السجون الإسرائيلية
بقلم : رأفت حمدونة
يأتي هذا الرمضان على ما يقارب من 9080 أسيرة وأسير فلسطيني وعربي موزعين على أكثر من 25 سجن ومعتقل ومركز توقيف وتحقيق فى دولة الاحتلال ، وللأسف بحال وظروف أقسى من رمضان السابق .
فما يقارب من نصف الأسرى ممنوعين من الزيارات ، والمسموح من أسرى غزة لا يزور بسبب إغلاق المعابر وحجج أمنية وأخرى تتعلق بشاليط على حد توصيف الصليب الأحمر وكذلك بزعم دولة الاحتلال ، ووسط انتهاكات صارخة ترتكب فى حق الأطفال والأسيرات وسياسة إدخال الكلاب فى الأقسام والتفتيش العاري ، والتفتيشات الليلية والأحكام الغير منطقية ولا شرعية فى المحاكم العسكرية ، وتقديم الطعام الغير نظيف من اسري جنائيين ، والتنقلات المتعاقبة بين الغرف فى القسم الواحد وبين الأقسام فى السجن الواحد وبين السجون المتفرقة من شمال فلسطين ومركزها حتى جنوبها ، وانتهاكات المحاكم بتمديدات إدارية وقد تصل لثماني مرات على التوالي .
يأتى رمضان ومر علينا عشرات الشهداء من الحركة الوطنية الأسيرة ، ودعهم الشعب الفلسطيني شاهدين على أن حريتهم وعزتهم وكرامة شعبهم أعز عليهم من أرواحهم وكل متاع الحياة الدنيا ، وشاهدة أرواحهم الطاهرة على همجية دولة الاحتلال التى تتعامل بسياسة الموت البطيء والإهمال الطبي بحقهم .
فى رمضان يستقبل الأسرى الشهر الفضيل بحسرة الفراق عن محبيهم وكل أشكال الحرمان من كل متاع الحياة الدنيا ، وحتى من متعة الشعور بالجو الرمضاني الروحاني وبالعبادات ، في شهر رمضان المبارك يتجدد الألم ولهيب شوق الأسير لمحبيه وعاشقيه ولأمه وزوجته وأطفاله وعائلته والمقربين .
وفى خضم هذه التطورات يؤكد مركز الأسرى للدراسات بأن الأسرى فى السجون يستعلون على جراحاتهم ويعيشون أيامهم بامكانياتهم رغم المعاناة فيحاول الأسير صنع السعادة ورسم الفرحة بأقل الإمكانيات ، يستعلي على الجراح ويحاول إظهار السعادة على محياه ويخفى آلامه وحزنه شموخاً أمام السجان، ويحاول الأسرى ولو جزئياً إيجاد جوا روحانياً لتتحول الزنزانه إلى مسجد لقراءة القرآن وصلاة التراويح .
يأتى رمضان على معتقلين فى الزنازين وفى مراكز التحقيق كالجلمة وغيرها وللأسف لا يعرفون موعد بدء الصيام ولا موعد الإفطار على وجه التحديد، ما يسبب لهم إرباكا وفي بعض الأحيان يفطرون قبل المغرب ويتأخرون في أحيان أخرى إلى ما بعد المغرب بكثير .
الأمر الذى يسبب ارباك بسبب مصادرة الساعات من الأسرى قبل الدخول إلى مركز التحقيق بالإضافة إلى أن الكثير من الزنازين تحت مستوى سطح الأرض ولا يسمع أي صوت للأذان .
يأتى رمضان على الأسرى بظروف قاسية وبحرمان فيما يتعلق بالطعام والشراب ، فالأسرى يعتمدون في الحصول على الطعام بشرائه من حسابهم الخاص من الكانتين وبأسعار مضاعفة جدا عما هي عليه في السوق ، فادارة مصلحة السجون فى العادة تقوم بإجراءات حجز الأموال أو تسويف وصولها للأسرى من قبل ذويهم ووزارة الأسرى والفصائل .
فموائد إفطار الأسرى فقيرة تخلو من الأساسيات أمام سوء الطعام المقدم لهم وعدم كفاية الأموال لشراء المواد الغذائية ، والطعام المقدم للأسرى لا يصلح للبشر ولا لون له ولا رائحة ، كما انه لا يكفي ، وغير صالح بتاتا للأكل ، وانهم يشعرون بالجوع الحقيقي.
وفي محاولة للشعور بالجو الرمضانى اخترع بعض الأسـرى بدائل للحلوى الرمضانية ، فيقوم الأسرى بصنع "كنافة السجن"، وهي عبارة عن خبز يضعونه تحت أشعة الشمس لساعات ثم يضيفون إليه قليلا من الحليب وقطعة مهترئة من الجبن وملعقة سكر وما يمكن توفره من مكسرات .
أما فى المعتقلات المفتوحة فتقام بأقل الإمكانيات الإفطارات الجماعية، والزيارات الاجتماعية، والمسابقات الدينية .. وتلك مظاهر رمضانية يحرص عليها الأسرى داخل المعتقلات وبتلك العزيمة تتحول المعتقلات لخيم ومساجد للعبادة .
فتلك الأجواء ولو جزئياً تخفف عنهم مرارة البعد عن الأهل والأقارب ومعاناة الأسر ، ومن المهم التفريق مابين السجن المركزي والمعتقلات ف "النقب وعوفر ومجدو معتقلات، وهي عبارة عن خيم يضعون فيها الأسـرى أصحاب الأحكام الخفيفة لا العالية.. والذين لا يشكلون في نظر الاحتلال خطرا كبيرا .
أما السجون المركزية كنفحة وعسقلان وهدايم عبارة عن غرف مغلقة.. وبالتالي رمضان في المعتقل يختلف عن السجن، ففي المعتقل نوع من الحرية أكثر، حيث الإفطار الجمّاعي وتبادل الزيارات من خيمة إلى أخـرى.. والمسابقات الدينية والعامة، وكل فصيل يقوم بدعوة فصيل آخـر إلى الفطور.
فالأسـرى خلال شهر رمضان يضغطون على إدارة السجون للسماح لهم بالتنقل من غرفة إلى أخرى والقيام بزيارات اجتماعية، مشيرا إلى أنه أحيانا يخرج أحد الأسرى لتناول الإفطار مع صديق في إحدى الغرف.
ولا يسمح للأسرى بالخروج من داخل السجن أو القسم إلى باقي الأقسام إلا في حال خروجهم إلى الفـورة (الساحة) لعدة دقائق، فينتهزونها فرصة لكي يُسلموا على بعضهم البعض".
ويؤكد الأسرى المحررين أن الأسرى فى السجون يتبارون في قراءة القرآن، وصلاة التراويح، والدعاء والابتهال إلى الله أن يفرج كربهم .
ودون شك يعيش الأسرى وأهاليهم لحظات صعبة عند الإفطار حيث تتذكر الأم ابنها وذكرياتها الجميلة معه خلال شهر رمضان قبل وقوعه في أسر الاحتلال :
فعلى صعيد أهالى الاسرى فتتجدد آلامهم فى رمضان فتنقلب فرحة استقبال رمضان لدموع تذرف وأيدي ترفع إلى السماء ولسان حالهم يقول اللهم أخرج لنا أبناءنا من سجون الاحتلال عاجلا غير آجل.
فكلما ارتفع صوت المؤذن ليعلن بدء الإفطار ترفع الأيادي نحو السماء لتدعو الله أن يفرج كرب المأسورين تتذكر بها عائلة الأسير ابنهم وتجتمع الأسرة على مائدة واحدة فتبدأ الأم تتذكر ابنها ويبدأ الطفل يتذكر والده الذي جلس ذات يوم قبالته يتناول الإفطار، وزوجة تتذكر زوجها، وأخرى تدعو لابنها بالفرج القريب أو تطلب الرحمة له.
وتتمنى الأمهات المريضات فى رمضان أن يرين ابنائهن قبل أن الموت، وأن يعجل الله فك أسرهم فيه وفى غالب الأحيان تضع صورة الأسير على الحائط المقابل للعائلة ، ولا تقبل الأم أن تتناول طعام الإفطار إلا وهي تنظر إليها والدموع تذرف من عينيها.
منقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول